السؤال:
ابني في 16 سنة من عمره، وأحيانًا نرى عليه تصرفات توحي بأنه يفعل شيئًا كالعادة السرية، بالرغم من أنه يحفظ 12 جزءًا من القرآن، وأحيانًا يتكاسل عن الصلاة، وقبل أيام عدنا أنا وأمه من زيارة عائلية ليلا فوجدنا هيئة ثيابه تدل على أمر لم نفهمه، ثم تركنا ونام، فذهبت إليه وطلبت منه أن يصارحني؛ فإذا كان على جنابة فيجب عليه أن يغتسل ولا يبقى للفجر، لأنه لا يجوز له أن يصلي على جنابة، ولو حياءً.
فقام واغتسل وعاد، فصارحته بأن هذا حرام، وهو مضر بالصحة الجسمية والنفسية، وله آثار غير حميدة على المسلم، وطلبت منه ألا ينام وهو يشاهد القنوات الرياضية، علما بأنه موضع ثقتي في ألا يقوم بتنزيل قنوات الغناء والفساد، وهو ملتزم، ولكن أحيانًا تكون هناك لقطات في القنوات الرياضية.
ولما سألته ماذا حدث معك؟، هل احتلمت؟، قال: نعم، ولكنني لم أر في ملابسي شيئًا، ثم استيقظت وأكملت العادة في الحمام، فقلت له: الأصل أن نراقب الله تعالى، وقرأت عليه قوله تعالى: {والله أحق أن تخشوه}، فقام واستغفر وصلى بضع ركعات ثم نام، فتركته.
فهل هذا التصرف صحيح، علما بأن ابني ليس له أصدقاء في الحي، وليس له اختلاط بزملاء إلا في المدرسة. أرشدونا للصواب.
الجواب:
الأخ الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسألُ اللهَ عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا،...آمين.. ثم أما بعد:
أولا: بان لي من رسالتك أن الله قد وهبك نعمة الالتزام، والعقل، والتروي، والحكمة في معالجة الأمور، وهي نعم كثيرة تستوجب منك شكر المنعم سبحانه وتعالى، فاشكره وأكثر من شكره ليمن عليك بالزيادة التي وعد بها عباده في الدستور الخالد، القرآن الكريم، إذ قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ...} [إبراهيم: 7]. وقال أيضًا: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18].
ثانيًا: أعجبني منك عدة أمور، أوضحها لك على النحو التالي:
1- اهتمامك الشديد بولدك، ومتابعته الدائمة لشئونه، وملاحظتك الدقيقة لتصرفاته.
2- حبك الفطري له، وثقتك الكبيرة به، وهو أمر لمسته من قولك: (إنه موضع ثقتي).
3- ثناؤك عليه، (يحفظ 12 جزءًا)، (وهو ملتزم)، (فقام واغتسل)، (استغفر وصلى).
4- رصدك أمراضه، كقولك: (يفعل شيئًا كالعادة السرية)، (أحيانًا يتكاسل عن الصلاة).
5- نهجك الإقناعي، الذي يتضح من قولك: (ذهبت إليه)، (طلبت منه أن يصارحني).
6- إحياؤك رقابة الله في قلبه، كقولك له عند مناقشته: (الأصل أن نراقب الله تعالى).
7- متابعته خارج البيت: (ليس له أصدقاء)، (ليس له اختلاط بزملاء إلا في المدرسة).
ثالثًا: بخصوص موضوع العادة السرية: فإنني أنصحك ابتداء أن تقدم له كتابا صغيرا مختصرا عن بعض التوجيهات التي يكون من بينها الحديث عن موضوع العادة السرية، ومن ثم تناقش معه الكتاب ثم تدير حديثًا موسعًا حولها، مع ولدك، وقد شجعني على نصحك بهذا، ما ذكرته في رسالتك من نموذج مصغر للمناقشة الهادئة والمقنعة مع ولدك حولها، وما ذكرته من سرعة استجابته لنصائحك، (فقام واغتسل)، (استغفر وصلى)، من ثم فإنه من المفيد أن تفتح معه نقاشًا موسعًا حول الموضوع، وحبذا لو كان حديثكما في جلسة منفردة بالبيت، أو في رحلة ثنائية لكما معًا.
ويمكنك خلال هذه الجلسة، أن توضح له أن جميع العلماء يرونها عادة مخلة بالمروءة، وأن الأطباء يؤكدون أن لها أضرار صحية كثيرة، حاليًا في الشباب، ومستقبلا بعد الزواج، وأن تملأ له وقته بالنافع المفيد، حتى لا يبقى عنده فراغ يجره فيه الشيطان للتفكير في الجنس.
وحرصًا على وقتك؛ فإنني ألخص لك خطوات العلاج على النحو التالي:
1- التضرع إلى الله بالدعاء أن يخلصه من هذه العادة القبيحة.
2- الاستعاذة بالله من الشيطان عند دخول الحمام.
3- النهوض سريعا عند الاستيقاظ وعدم التكاسل على الفراش.
4- سرعة التطهر من الجنابة، والنوم على وضوء.
5- عدم إطالة الوقت في الحمام، وتجنب ملامسة الأعضاء المحركة للشهوة.
6- أداء الصلوات الخمس في المسجد، لاسيما الفجر.
7- الحرص على حضور مجالس الذكر وقراءة القرآن.
8- الإكثار من النوافل، خاصة نوافل الصيام.
9- ممارسة نوع من الألعاب الرياضية لاستنفاذ طاقته.
10- تجنب المثيرات المهيجة للنفس كالغناء ومشاهدة الأفلام والصور الإباحية.
11- البعد عن الأماكن المختلطة كالأسواق وغيرها إلا لضرورة.
12- تجنب التفكير في أي خيال جنسي أو أي محرك للشهوة.
13- زيارة المقابر والمرضى لاستشعار نعمة الخالق عليه بالصحة.
14- غض البصر وتجنب النظر للنساء إلا لضرورة شرعية.
15- تجنب الاستماع لمن يتحدثون عن علاقاتهم الخاصة بالنساء.
16- تجنب النوم في غرفة مغلقة بمفرده.
17- قراءة المعوذتين (3 مرات) وآية الكرسي ودعاء النوم قبل النوم.
18- تجنب الشبع وملء المعدة بالطعام.
19- تقليل الأطعمة التي تتركز فيها الأملاح كالسمك والجمبري واللوز والفستق.
20- الاستغفار في حالة العودة للعادة، وعدم اليأس بتجديد النية لعادة المحاولة.
رابعًا: بخصوص تكاسله عن الصلاة: أود أن أوضح لك أن التكاسل عن أداء العبادات، وخاصة الصلاة، هو داء يصيب جمع كبير من المسلمين، وليس الشباب فحسب، وأنه يبدأ بالتسويف والتأجيل والتهاون، وينتهي بالترك والامتناع، مرورا بالتكاسل والتقصير، وأن الشيطان يجهز للمسلم المقصر قائمة طويلة بالأعذار التي يقنعه من خلالها بالتهاون في الصلاة، أعاذنا الله وإياكم من شياطين الإنس والجن، لكن المسلم الواعي سرعان ما ينفض غبار التكاسل والتقصير عن نفسه، ويجدد النية والعزم على معصية الشيطان ومخالفته، فيهب للصلاة متى سمع النداء مهما تكن الظروف.
ويمكنك أن تنصحه بعدد من الأمور، التي تعينه بإذن الله على التخلص من هذا الداء، وهي:
1- تجديد النية، والعزم على مخالفة الشيطان، وأن يقول لنفسه: من اليوم وصاعدا لن أطيع هذا الملعون، فهو لا يرجو ليَ خيرًا، بل إنه عدوي قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
2- اقرأ له من كتاب الله عز وجل، ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ما تبين فضل الصلاة على وقتها، والأجر الذي أعده الله للمحافظين عليها، وكذا الآيات والأحاديث التي تتحدث عن سوء عاقبة التارك للصلاة أو المتكاسل عنها، والعقاب الذي أعده الله له، ليعرف مكانتها، وفضلها، فيكون هذا أدعى له في الحرص عليها، ومن هذا على سبيل المثال لا الحصر:
• قوله تعالى في وصف المؤمنين: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ...} إلى قوله تعالي {... وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
• وقوله أيضًا: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
• وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
• وقوله أيضًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو اللَّه بهن الخطايا» متفق عَلَيهِ.
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر» رواه مُسلِمٌ.
• وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة؛ وذلك الدهر كله» رواه مُسلِمٌ.
3- عوده أن يقوم إلى الصلاة متى سمع الأذان مهما تكن الظروف، وألا يسمح لنفسه بالتأجيل، ويمكنك أن تعينه على ذلك بضبط مواعيد البيت على الصلاة، مثلا: (الإفطار بعد الانتهاء من صلاة الفجر وأذكار الصباح/ الغذاء بعد صلاة الظهر، المذاكرة من عقب صلاة العصر إلى أذان المغرب/ حضور درس العلم بالمسجد من بعد صلاة المغرب/ تناول وجبة العشاء بعد أداء صلاة العشاء/ وهكذا........).
4- صمم له جدولا شهريا للصلاة، وسجل به الصلوات الخمس، وقسمه إلى بنود: ممتاز، جيد، مقبول، ضعيف، واطلب منه أن يسدد خاناته في نهاية كل يوم، وأن يعطي لنفسه درجة على الحفاظ على الصلاة، وأن يقدم لك هذا التقرير في نهاية كل أسبوع، فإن وجدت خيرًا فكافئه على ذلك، بهدية أو اصحبه في رحلة، أو زيارة لمكان يحبه، وإن كان غير ذلك فلا توبخه وامنحه فرصة جديدة، واطلب منه أن يأخذ نفسه بالجد وأن يجدد عزمه.
5- انتق له بعض الأصدقاء من الشباب الصالح الملتزم، الذي يعيش في الحي الذي تسكنون فيه، واطلب منهم أن يتعرفوا عليه (بطريق غير مباشر) في المسجد عقب إحدى الصلوات، وأن يزوروه وأن يصحبوه في رحلاتهم الإيمانية ومخيماتهم الدعوية، فلعل المشكلة تكمن في أنه يعيش بلا أصدقاء، وعندها سيكون الحل بإذن الله في الصحبة الصالحة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة» متفق عَلَيْهِ.
وختامًا أسأل الله تعالى أن يعينكِ بمدد من عنده، وأن يصلح لك ولدك، وأن يهديه إلى سواء السبيل، وأن يحببه في الصلاة، ويرزقه الحفاظ عليها، وأن يرزقه رضاه والجنة، وأن يعيذه من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياكم إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وأن يصرف عنا وعنه شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأفضل مسئول.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب: همام عبدالمعبود.
المصدر: موقع المسلم.